لا تزال تداعيات النهائي الفوضوي لدوري أبطال أوروبا في كرة القدم مستمرة، مع مطالبة رئيس نادي ليفربول الإنكليزي باعتذار السلطات الفرنسية لتوجيهها اصابع الاتهام نحو مشجعي الأحمر بإثارة الفوضى، مندّداً بـ”استراتيجية القاء اللوم على الآخرين”.
عبّر الأميركي توم فيرنر عن غضبه، على غرار كثيرين من مشجعي ليفربول العائدين من باريس، حيث خسر فريقهم السبت الماضي أمام ريال مدريد الإسباني، في رسالة إلى وزيرة الرياضة الفرنسية أميلي أوديا-كاستيرا حصل موقع “ليفربول إيكو” الإنجليزي على نسخة منها.
وتأخر انطلاق المباراة أكثر من نصف ساعة بسبب التوترات خارج الملعب، ومحاولة العديد من المشجعين تسلّق بوابات السياج والدخول بالقوّة، ما أدى الى تصدي عناصر الشرطة لهم وإطلاق الغاز المسيل للدموع في بعض الأحيان، فيما أعلنت وزارة الداخلية الفرنسية السبت عن اعتقال 105 أشخاص ووضع 39 منهم قيد التوقيف الاحتياطي بسبب الشغب.
احتج فيرنر على تحميل وزيرة الرياضة ووزير الداخلية جيرالد دارمانان الجماهير الإنجليزية أعمال الفوضى على أبواب استاد دو فرانس في ضاحية سان دوني الباريسية مع “عملية احتيال ضخمة، صناعية ومنظّمة للتذاكر المزوّرة”.كما أضافت وزيرة الرياضة أن ليفربول “تخلى عن جماهيره” خلافاً لنادي ريال مدريد.
أعادت هذه الاتهامات لجماهير ليفربول ذكريات مروعة لكارثة ملعب هيلزبره التي خلّفت 97 قتيلاً عام 1989، عندما حُملت جماهير ليفربول مسؤولية التدافع فترة طويلة قبل تبيان مسؤولية الشرطة.
وتحدّث فيرنر عن “عدم مصداقية تامة” حيال “تصريحات غير مثبتة في موضوع بهذا الأهمية” صدر عن أوديا-كاستيرا، وذلك قبل إجراء تحقيق شامل. تابع “تصريحاتكم غير مسؤولة، غير مهنية وغير محترمة تماماً لآلاف الجماهير التي لحق بها أذى جسدي وعاطفي”، شارحاً انه تلقى العديد من رسائل المشجعين “الخائفين حتى الموت” مندّداً بـ”استراتيجية القاء اللوم على الآخرين”. أردف “باسم كل الجماهير الذين عاشوا هذا الكابوس، أطالب باعتذار من قبلكم، وضمان قيام السلطات الفرنسية وويفا (الاتحاد الأوروبي لكرة القدم) بتحقيق مستقل وشفاف”، علماً ان ويفا كان قد أكّد الإثنين طلب “تقرير مستقل”.
وفيما اوضحت وزيرة الرياضة الثلاثاء انها لم تلتق بعد رسالة ليفربول، فتحت الباب امام اعتذارات محتملة “جزء من مشجعي ليفربول كان ملتزماً تماماً وأُفسدت أمسيته، البعض لم يتمكن من حضور المباراة، وندين له بالاعتذار”. بحسب دارمانان “تواجد بين 30 ألف و40 ألف مشجع إنجليزي في استاد دو فرانس دون تذاكر أو مزوّدين بتذاكر مزوّرة”.
أدى هذا الوضع، بحسب السلطات، الى تضخيم أعداد الجماهير المحتشدة على أبواب الملعب وطوابير لا نهاية لها وازدحام هائل لم يتسبب بوقوع اصابات خطيرة”.
وقدّر الاتحادان الفرنسي والأوروبي “عدد التذاكر المزورة التي تم مسحها” السبت بـ”2800″، بحسب مصادر قريبة من الملف. لكن من بين التذاكر الـ2800، قد تكون هناك تذاكر حقيقية تم تفعيلها بشكل خاطئ، وفقا لبيار بارتيليمي، محامي مجموعات المشجعين الفرنسيين الحاضرين في الملعب السبت “حدثت أعطال، اخطاء في المعلوماتية على البوابات التي فحصت بعض التذاكر الصحيحة بانها مزورة”.
والأرقام المطروحة جدلية، بما في ذلك من قبل الطرف الفرنسي. أكّد النائب اليساري السابق ريجيس جوانيكو المتخصّص في المسائل الرياضية “يبدو لي رقم 30 أو 40 ألفاً كبيراً للغاية. انتظر جلسة الاستماع الى الوزراء الأربعاء في مجلس الشيوخ لمعرفة المزيد”.
وكانت أجهزة المخابرات قد نبّهت السلطات الفرنسية قبل المباراة النهائية بحضور مشجعين لا يملكون تذاكر. في رسالة بتاريخ 25 ماي من الوحدة الوطنية لمكافحة الشغب مكتوبة بالاشتراك مع أجهزة المخابرات، علمت عنها وكالة فرانس برس، تمت الاشارة إلى “نحو 50 ألف مشجع إنجليزي متواجدين في العاصمة الفرنسية لن تكون بحوزتهم تذاكر للمباراة”.
على المستوى القضائي، ستتم محاكمة ستة رجال في بوبينيي حيث يتبع استاد دو فرانس الواقع في ضاحية سان دوني، بتهمة سرقة الجماهير على هامش المباراة النهائية. وكان عضو البرلمان البريطاني إيان بيرن الذي كان متواجداً هناك، اعتبر في حديث لشبكة “سكاي نيوز” أن “معاملة الجماهير مثل الحيوانات خلال أكبر مباراة أوروبية لهذا العام، كما فعلوا (الشرطة)، أمر لا يغتفر”.
وانتقد بيرن المضيفين بالقول أن “حفظ النظام كان فاشلاً، رجال الأمن كانوا فاشلين، إدارة سيئة حول الملعب وبوابات ملعب مغلقة”. وحتى أن رئاسة الحكومة البريطانية دخلت على خط الانتقاد بالقول إنها “تشعر بخيبة أمل شديدة من الطريقة التي عومل بها مشجعو ليفربول”، معتبرة أن الصور التي نشرت من محيط “استاد دو فرانس” كانت “مزعجة ومقلقة للغاية”.
وقال ظهير أيسر ليفربول الاسكتلندي أندي روبرتسون إن صديقا أعطاه تذكرة مخصصة للنادي مُنع من الدخول لاتهامه بحمل تذكرة مزوّرة.
ورغم الانتقادات الكبيرة، أكدت وزيرة الرياضة على أن فرنسا قادرة على استضافة أحداث رياضية كبرى، في وقت تستعد باريس لاستضافة الألعاب الأولمبية الصيفية في 2024 بالإضافة إلى كأس العالم للروغبي 2023.
في المقابل، قرر ويفا الإثنين أن يفتح “تحقيقاً مستقلاً للتدقيق في عملية صنع القرار والمسؤوليات وسلوكيات جميع الأطراف المشاركة في المباراة النهائية”.
في بادئ الأمر، برّر ويفا تأخير انطلاق المباراة بـ”الوصول المتأخر للمشجعين” الى الملعب، قبل أن يصدر بياناً لاحقاً يتحدث فيه عن تذاكر مزوّرة.
وكشف أنه عهد بالتحقيق إلى شخصية مستقلة هو الوزير البرتغالي السابق للتعليم والشباب والرياضة تياغو برانداو رودريغيز. وتعهّد ويفا بـ”تعويض” حاملي 2700 تذكرة “حُرموا” فرصة مشاهدة النهائي وفق ما أعلنت الوزيرة الفرنسية.
وقالت أوديا-كاستيرا “سألنا ويفا الذي اتفق معنا ان يتم تحديد هؤلاء الأشخاص بدقة وان يحصلوا على تعويض فوري بسبب الاحباط الذي عانوا منه”.
وكشفت أن 2700 تذكرة “لم يتم تفعيلها” تخصّ مجموعة من الأشخاص اشتروا تذاكر و”حرموا” مشاهدة المباراة التي كانت من المفترض أن تكون احتفالاً كروياً لكنها تحولت الى فوضى كادت أن تؤدي الى مأساة رغم حشد قرابة 7 آلاف عنصر من رجال الشرطة والدرك والإطفاء، ناهيك عن حراس الأمن.